التحول في الموقف الأميركي
إلى أين تتجه غزة بعد عام من الحرب وخطة سلام لم تُختبر بعد؟
إلى أين تتجه غزة بعد عام من الحرب وخطة سلام لم تُختبر بعد؟
الكوفية مرّ عام كامل على قطاع غزة حمل تحولات عميقة طالت الجغرافيا وموازين القوة، وأعاد تشكيل الواقع العسكري والإنساني والسياسي للقطاع، في وقت انشغل فيه المجتمع الدولي بالترويج لما عُرف بـ«خطة ترمب للسلام»، التي قُدّمت بوصفها مخرجاً للحرب، لكنها أثارت في المقابل أسئلة كبرى حول مستقبل غزة والمنطقة.

وخلال هذا العام، عاشت غزة واحداً من أقسى فصول تاريخها الحديث، وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأشد حدة. وشهد السكان موجات نزوح متكررة امتدت لأشهر، تحولت معها الحياة اليومية إلى رحلة دائمة بحثاً عن مأوى آمن، في ظل الغارات المتواصلة والعمليات العسكرية البرية.
هدنة يناير وانهيارها
وفي الخامس عشر من يناير، لاحت فرصة نادرة لخفض التصعيد، عقب نجاح وساطات قادتها الولايات المتحدة وقطر ومصر في التوصل إلى هدنة من ثلاث مراحل، تضمنت تبادل الأسرى، وانسحاباً إسرائيلياً تدريجياً، وإدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع.
إلا أن هذه الهدنة سرعان ما انهارت في الثامن عشر من مارس، نتيجة خلافات حادة بين إسرائيل وحركة حماس حول آليات تنفيذ المرحلة الثانية، ما أعاد المواجهات العسكرية بوتيرة أشد وأكثر اتساعاً.

تصعيد عسكري وتدهور إنساني
ومع استئناف العمليات، تبدّل نمط القتال بشكل ملحوظ، إذ وسّعت إسرائيل نطاق ضرباتها، وانتقلت المعارك إلى جنوب ووسط القطاع، متحولة من اجتياحات واسعة إلى عمليات عسكرية مركزة وملاحقات داخل شبكة الأنفاق، في وقت كانت فيه الأوضاع الإنسانية تتدهور على نحو متسارع.

وترافق التصعيد مع تفاقم خطر المجاعة وانهيار شبه كامل للمنظومة الصحية، ما دفع الأمم المتحدة إلى استخدام توصيفات غير مسبوقة، من بينها التحذير من «العيش على حافة المجاعة» واعتبار «التجويع سلاحاً من أسلحة الحرب».

خطة ترمب والتحركات السياسية الدولية
سياسياً، ومع تعثر الحسم العسكري، برزت تحركات دولية مكثفة. فقد أدركت واشنطن، التي تبنّت في مراحل سابقة مقاربات متشددة، أن استمرار الحرب يفتح الباب أمام فوضى إقليمية من دون تحقيق نصر حاسم، فصعّدت ضغوطها على إسرائيل، وفعّلت قنوات الحوار الإقليمي، وصولاً إلى طرح ما وُصف بـ«الفرصة الأخيرة» عبر خطة ترمب للسلام.
وتضمنت الخطة وقفاً لإطلاق النار، وتبادلاً للأسرى، ونشر قوة دولية متعددة الجنسيات داخل غزة، إضافة إلى إدارة انتقالية بإشراف دولي، مع إقصاء حركة حماس عن إدارة القطاع ونزع سلاحها. وشهدت بلورة الخطة دوراً محورياً لعدد من العواصم العربية، في مشهد عُدّ تعاوناً عربياً–أميركياً غير مسبوق.
ومع إحالة الخطة إلى مجلس الأمن، دخلت حلبة شد وجذب سياسي واسع، وأُقرت في النهاية، مانحةً غطاءً دولياً للحكم الانتقالي ومطمئنة الدول المشاركة بالقوة الدولية المقترحة.

غزة عند مفترق طرق
في المقابل، وجدت حركة حماس نفسها أمام واقع جديد، يتمثل في خسائر كبيرة على مستوى القيادات والبنية العسكرية، واستنزاف واضح في القدرات، مع استمرار اعتمادها على ما تبقى لديها من أوراق ضغط.

ومع اقتراب نهاية عام 2025، تقف غزة عند مفترق بالغ الحساسية؛ حرب أعادت رسم الجغرافيا وغيّرت موازين القوة، وخطة سياسية حازت شرعية دولية لكنها لا تزال تصطدم بتعقيدات الميدان والواقع الإنساني.
وبين اتفاق لم يكتمل تنفيذه، وأزمة إنسانية آخذة في التفاقم، يبقى مستقبل قطاع غزة مرهوناً بقدرة الأطراف الدولية والإقليمية على تحويل التعهدات إلى خطوات عملية، ووضع حد لمعاناة شعب أنهكه عام كامل من الحرب، بانتظار استقرار طال أمده.