تحقيق للأورومتوسطي: غارة إسرائيلية قتلت 15 فردًا من عائلة "أبو نحل" بغزة دون مبرر
نشر بتاريخ: 2025/12/29 (آخر تحديث: 2025/12/29 الساعة: 16:04)

غزة - كشف تحقيق جديد للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن الوقائع الكاملة لجريمة قتل جماعي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق عائلة "أبو نحل" في رفح جنوبي قطاع غزة العام الماضي، وقتل فيها 15 مدنيًا بينهم 13 طفلًا وامرأة، دون أي تحذير أو إشعار مسبق، أو ضرورة حربية تبرّر الاستهداف الدقيق والمتعمد للعائلة.

وقال المرصد في التحقيق الذي نشره اليوم، إن التحقيق تضمّن عملًا استقصائيًا ميدانيًّا شاملًا حول هجوم جوي نفّذه جيش الاحتلال مساء السبت الموافق 17 فبراير/شباط 2024.

وأضاف أن طائرة حربية استهدفت "استراحة عائلية" تقع في منطقة "خربة العدس" شمال شرقي رفح، باستخدام قنبلتين ثقيلتين أمريكيتي الصنع، ما أدى إلى تدمير المكان بالكامل على رؤوس ساكنيه، دون أي إنذار مسبق أو تحذير.

وتشير نتائج التحقيق التي استندت إلى جهود امتدت لأشهر وشملت معاينة ميدانية لمسرح الجريمة، وتقاطع إفادات الناجين وشهود العيان، وتحليلًا تقنيًا للمواد الرقمية، إلى أنّ الموقع المستهدف كان مدنيًا بشكل صرف، وهو عبارة عن "شاليه" استأجرته العائلة للإقامة فيه بعدما نزحت من مكان سكنها الأصلي.

وذكر أن المكان يقع في منطقة زراعية مفتوحة ومنفصلة عن أي مبانٍ أخرى، ما يجعل تمييزه كعيان مدني أمرًا سهلًا ومتاحًا للمراقبة الجوية.

ولفت إلى أن الموقع ومحيطه خلا تمامًا من أي مظاهر عسكرية أو أنشطة لفصائل مسلحة، وهو ما يدحض أي مزاعم محتملة حول "الضرورة العسكرية"، ويؤكد أن الهدف كان قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين الآمنين.

وفنّد التحقيق أي احتمالية لوجود أهداف عسكرية تبرر الاستهداف، حيث أكّدت الدلائل المادية والوثائق التي حصل عليها فريق المرصد، إلى جانب إفادات شهود العيان، أنّ رب الأسرة "إبراهيم أبو نحل"، لم يكن مرتبطًا بأي عمل سياسي أو حزبي، وكان يقضي جلّ وقته في التجارة.

وبين أن أبو نحل كان تاجرًا معروفًا في محيطه قبل بدء جريمة الإبادة الجماعية في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، واستمر في ممارسة نشاطه التجاري خلال الإبادة.

وأكّدت المعطيات التي عرضها التحقيق، أنّ الضحية أبو نحل لم يظهر أي سلوك غير اعتيادي يدل على ارتباطه بأي جهة، وكان يعيش حياته بشكل طبيعي ويتابع أعماله عبر الهاتف طوال اليوم، ويتحرك بشكل منتظم ومتكرر إلى معبر رفح لاستلام بضاعته من الطحين أو الخضروات أو المواد الغذائية، ولم يكن يتخذ أي تدابير وقائية تؤشر على أنّه كان يتوقع أو يخشى الاستهداف.

ووثّق التحقيق تجمّع 16 شخصًا من أفراد عائلة "أبو نحل" داخل إحدى غرف "الشاليه" حول مائدة العشاء، في أجواء احتفالية عائلية بمناسبة زواج ابنهم "عبد الله" (26 عامًا) من ابنة عمته "مريم" (20 عامًا).

وتابع "في حوالي الساعة 6:50 مساءً، وصل رب الأسرة إبراهيم (57 عامًا) إلى المكان قادمًا من الجانب الفلسطيني من معبر رفح، حيث يعمل في مجال تجارة المواد الغذائية والمركبات، وبعد دخوله إلى المكان بنحو عشر دقائق فقط، استهدف الطيران الإسرائيلي الموقع ودمّره بشكل كامل".

ووثّق التحقيق شهادات لناجين وذوي الضحايا، تعكس حجم الجريمة؛ إذ أفاد الطفل "أسامة إبراهيم أبو نحل" (16 عامًا)، وهو الناجي الوحيد من جميع الأشخاص الذين كانوا داخل "الشاليه" لحظة الاستهداف: "كنا نجلس في جو عائلي سعيد بمناسبة زواج أخي (...) وفي حوالي الساعة السادسة وبدون أي سابق إنذار، وجدنا الصواريخ تسقط علينا".

وأضاف "كل ما أتذكره أنني قُذفت في الهواء وفقدت الوعي. استيقظت في المستشفى وجسدي مليء بالجروح والحروق، وتم تركيب أسياخ بلاتين في يداي وقدمي(...) سألت أخي: أين أمي وأبي؟ أريد رؤيتهم، لكنني علمت لاحقًا أن جميع من كان معي قد استشهدوا".

وفي إفادة أخرى، قال "سامي إبراهيم أبو نحل"، أحد أفراد العائلة الذي نجا بأعجوبة بعد مغادرته المكان قبل دقائق معدودة لشراء حاجيات من بقالة قريبة بطلب من والدته: "بمجرد وصولي للبقالة التي تبعد 150 مترًا، أنارت السماء كأن النهار حلّ، وسمعت انفجارين متتابعين هزّا المنطقة (...) عدت مسرعًا فوجدت "الشاليه" قد سوي بالأرض، ومكانه حفرتان كبيرتان(...) بحثت عن أهلي فلم أجد سوى أشلاء متناثرة (...) لقد تبخروا جميعًا في لحظة واحدة".

وكشف التحليل الذي أجراه فريق الأورومتوسطي لآثار الدمار، وبخاصة الحفرتين العميقتين اللتين خلفهما القصف، أنّ الطائرة الحربية الإسرائيلية أسقطت قنبلتين ثقيلتين يُرجَّح أنّهما من طراز GBU-31 (قنابل MK-84 مُجهَّزة بحزمة توجيه JDAM)، تزن الواحدة منها نحو 900 كيلوغرام.

وبين أن هذه ذخيرة ذات قدرة تدميرية هائلة مخصصة لاختراق التحصينات العسكرية، واستخدامها ضد مبنى سكني بسيط غير محصن أدى إلى امتصاص التربة والأجساد لقوة الانفجار، ما تسبب في تدمير المكان بشكل كامل وتمزّق أجساد الضحايا إلى أشلاء صغيرة تناثرت في محيط المكان ووصلت إلى أسطح منازل الجيران.

ووثّق التحقيق أيضًا، تجريف آليات جيش الاحتلال في مايو/أيار 2024، خلال الاجتياح البري لمدينة رفح، المقبرة الجماعية التي دُفن فيها ضحايا العائلة قرب محور فيلادلفيا، ما أدى إلى تدمير القبور وضياع معالمها، في فعل يعكس إمعانًا في محو الوجود الفلسطيني وامتهان الكرامة الإنسانية حتى بعد الموت.

ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ جيش الاحتلال لم يصدر حتى وقت نشر التحقيق أي بيان يوضح فيه ملابسات هجومه على "الشاليه" الذي كانت تقيم فيه عائلة "أبو نحل"، ولم يقدّم أي تبريرات لدوافع وأهداف ونتائج الهجوم.

واعتبر أن هذا نمط متكرر يعكس الاستهتار الكامل بأرواح المدنيين، والتجاهل التام لواجباته في التقيّد بالقانون الدولي الإنساني.

وشدّد على أنّ استخدام القوة التدميرية المفرطة ضد هدف مدني مكشوف، ودون توجيه أي تحذير، يثبت توفّر "النية المبيّتة" للقتل وإيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية، ما يجعل هذه الجريمة تندرج بوضوح ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتمثل دليلًا ماديًا إضافيًا على جريمة الإبادة الجماعية التي تنظر فيها محكمة العدل الدولية.

ودعا المرصد المجتمع الدولي للاضطلاع الفوري بالتزاماته في منع جريمة الإبادة الجماعية ووقفها، عبر إجراءات عملية ملزمة تتجاوز المواقف اللفظية، بما يشمل فرض وقف فوري ودائم لإطلاق النار ووقف الهجمات على المدنيين ومراكز الإيواء ومناطق النزوح، واتخاذ تدابير حماية فعّالة للسكان المدنيين تمنع تكرار الجرائم الإسرائيلية بحقهم.

وطالب جميع الدول والكيانات ذات العلاقة بفرض عقوبات سياسية واقتصادية موجهة وذات أثر مباشر على المسؤولين المتورطين في الجرائم الإسرائيلية الأشد خطورة، وعلى الجهات التي تُمكّنها أو تموّلها أو توفر لها الغطاء العملي. ويشمل ذلك تجميد الأصول وحظر السفر.

وحثّ المرصد الدول التي تملك أساسًا للاختصاص القضائي، بما في ذلك تلك التي تُطبّق الولاية القضائية العالمية، على فتح تحقيقات جنائية مستقلة وفعّالة في الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة، بما فيها جريمة الإبادة الجماعية، وإصدار أوامر ضبط وإحضار ومذكرات توقيف بحق المسؤولين على امتداد سلسلة القيادة.

ودعا المحكمة الجنائية الدولية إلى تسريع تحقيقاتها في دولة فلسطين، وتوسيع نطاقها لتشمل جميع المتورطين على المستويين السياسي والعسكري، والإسراع في إصدار مذكرات توقيف إضافية تضمن عدم إفلات الجناة من العقاب.